في عام 2003، وفي الوقت الذي كان يتعرض فيه مخطط عمليات الحادي عشر من سبتمبر خالد شيخ محمد للتحقيق عبر الإيهام بالغرق كان يرفع يده ويعد بأصابعه باستهزاء عدد الثواني المتبقية قبل ان يُجبَرَ محققو وكالة الاستخبارات المركزية "سي اي ايه" بالتوقف عن صب الماء فوق وجهه، فتعليمات "السي اي ايه" في ذلك الوقت سمحت بالإغراق لمدة 40 ثانية متتالية فقط، ولم يستغرق الأمر مدة طويلة قبل أن يكتشف المعتقَل، والذي كان في سجن سري خارج الولايات المتحدة، المدة الزمنية المسموحة.
هذه القصة والتي لم تنشر صحفيا من قبل رويت من قبل مارك ثيسن، كاتب خطابات الرئيس بوش سابقا وأحد مؤيدي أسلوب الإيهام بالغرق، في حلقة نقاش نظمت من قبل مؤسسة "اميركن انتربرايز" المحافظة.
والنقطة التي أراد ثيسن إثباتها- وهو حاليا كاتب عمود صحافي في جريدة الواشنطن بوست- هي أن أسلوب الإيهام بالغرق لا يعتبر تعذيبا، وأن وجود قوانين وتعليمات صارمة وعلنية تتحكم بأسلوب الاستجواب هو أمر يساعد أعداء الولايات المتحدة.
ويبدو أن مقتل أسامة بن لادن والمعلومات الاستخبارية التي أشارت الى مساعده، والتي تم الحصول عليها من خلال أساليب استجواب ممنوعة من قبل الإدارة الحالية، أدت الى إعادة فتح النقاش حول التعذيب، فالكثير من المسؤولين السابقين في إدارة بوش يرون في مقتل بن لادن تأكيدا على فعالية سياساتهم.
"ليس تعذيباً"
وحلقة النقاش تلك بالإضافة الى مقالين متعارضين كتب أحدهما عضو مجلس الشيوخ المعارض للتعذيب جون مكيين، والآخر كتبه مايكل موكيسي، وزير العدل السابق المؤيد لسياسات الإدارة السابقة، فتح كل هذا من جديد الباب أمام حوار ظن كثيرون أنه أغلق بعد انتخاب باراك اوباما رئيسا.
ويقول موكيسي: "الإغراق هو أسلوب استجواب استخدم من قبل (السي اي ايه) على 3 معتقلين ويتم عن طريق تثبيت المعتقل على لوحة وتغطية وجهه بقماش، ومن ثم صب الماء على الوجه لمدة 40 ثانية متتالية لا أكثر بهدف رفع نسبة ثاني أكسيد الكربون لدرجة يعتقد فيها الشخص أنه على وشك الغرق، ولم يكن للأسلوب أية آثار جسدية سلبية فيما بعد".
ويضيف: "عدد الصحافيين الذين جربوا الإغراق في سبيل رغبتهم إثبات أنه تعذيب هو أعلى من عدد المعتقلين الذين تعرضوا له" وتابع ثيسن "فإن كان الشخص مستعد للتطوع للإغراق، فهذا يعني أنه ليس تعذيبا".
صميم الجدل يتعلق بأمرين: أولا، هل الدلائل التي يتم الحصول عليها بواسطة الإغراق وأساليب أخرى تسمى "بالتعذيب" من قبل معارضيها و"بأساليب التحقيق المعدلة" حسب مؤيديها، هل أدت إلى بن لادن، وإن كان الأمر كذلك، هل يبرر ذلك استخدامها؟
وفي هذا المسألة يوضح موكيسي، في مقال في صحيفة الوال ستريت جورنال أن عملية اكتشاف موقع بن لادن "بدأت باعتراف من قبل خالد شيخ محمد الذي انفض كسيل تحت ضغط الإغراق… واعترف بمعلومات منها اسم مساعد بن لادن الموثوق".
أما مكين، والذي تعرض في شبابه للتعذيب من قبل الفيتناميين الذين قبضوا عليه فقد أجاب على موكيسي في مقال له في صحيفة "واشنطن بوست" ذكر فيه أن مدير الاستخبارات الحالي ليون بونيتا بعث له برسالة قال فيها إن المعلومات الاستخباراتية التي أدت الى بن لادن "أتت من معتقل تم القبض عليه في دولة أخرى، ولا نعتقد أنه تعرض للتعذيب".
"البرنامج السابق أفضل"
وخلال جلسة النقاش في مؤسسة "اميركن انتربرايز" رد موكيسي على مكيين (وكلاهما جمهوري) قائلا رغم أن اسم المساعد تم الحصول عليه قبل إغراق خالد شيخ محمد، إلا أنه لم يتم الانتباه الى أهمية تلك المعلومات إلا حين حصل المحققون عليها من خالد شيخ محمد مباشرة.
وكان الرئيس الأمريكي باراك اوباما منع استخدام الإغراق عام 2009 , بعد أن طلب من المحققين، حتى العاملين في السي اي اي، الالتزام بقواعد منوط عليها في كتيب الجيش، وهو كتيب غير سري.
وبما أن خالد شيخ محمد استطاع اكتشاف مدة الإغراق لوحده، كما قال ثيسان، فماذا عن قواعد كتيب الجيش العلنية والتي سيكون من السهل على أعداء الولايات المتحدة دراستها؟ ويوافقه في الرأي جون ريزو، محامي السي اي ايه السابق، قائلا: "إن برنامج الاستجواب الحالي لا يوفر مستوى المعلومات الاستخبارية التي كان يوفرها البرنامج السابق".
بعض المحافظين يقولون إن إدارة اوباما تفضل قتل عملاء تنظيم القاعدة عبر طائرات بلا طيار، عن اعتقالهم وإخضاعهم للاستجواب الأمر الذي يحرم المؤسسات الأمنية من المعلومات التي تحتاجها، وفي هذا الصدد يقول موكيسي: "نحتاج لبرنامج مشروع سري وسياسة للاعتقال توضح من نقتل، ومن نعتقل".
اليسا ماسيمينو وهي مديرة معهد حقوق الإنسان أولا، وهي مؤسسة معارضة للتعذيب قالت "المثير في برنامج الاستجواب هو أنه وحتى بعد بعد إغراق المعتقلين، فإن بعضهم قال الحقيقة أحيانا، وبعضهم كذب، و لا يمكن ان نَبُتَ بفعالية برنامج بهذه الطريقة".